فصل: قال أبو السعود:

صباحاً 0 :14
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
18
الخميس
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ}
من القصص على سبيل الفرض والتقدير: {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك، والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرآن مصدق لما فيها، أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه، أو تهييج الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {لا أشك ولا أسأل} وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك، وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم: {لَقَدْ جَاءكَ الحق مِن رَّبّكَ} واضحًا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقين.
{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بآيات الله فَتَكُونَ مِنَ الخاسرين} أيضًا من باب التهييج والتثبيت وقطع الأطماع عنه كقوله: {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين}. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله عز وجل: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ...} الآية الصوابُ في معنى الآية: أنها مخاطبةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمراد بها سِوَاهُ مِنْ كُلِّ من يمكِنُ أن يشُكَّ أو يعارِض.
* ت *: ورُوينَا عن أبي داود سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، قال: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بن هَارُونَ، قال: حدَّثنا محمَّد بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «المِرَاءُ في القُرْآنِ كُفْرٌ»، قال عِيَاض في «الشفا»: تأول بمعنى «الشك»، وبمعنى «الجِدَال». انتهى.
{الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ}: من أسلم من أهْلِ الكتاب، كابن سَلاَمٍ وغيره، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لَمَّا نزَلَتْ هذه الآية: «أَنَا لاَ أَشُكُّ وَلاَ أَسْأَلُ»، ثم جزم سبحانه الخَبَر بقوله: {لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ}، واللام في «لَقَدْ» لامُ قَسَم.
وقوله: {مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} يريد به: من أَن بني إِسرائيل لم يختلفوا في أمْره إِلا مِنْ بعد مجيئهِ عَلَيْه السلام؛ هذا قول أهل التأويل قاطبة.
قال * ع *: وهذا هو الذي يشبه أنْ تُرْجَى إِزالةُ الشَّكِّ فيه مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الكتاب، ويَحتملُ اللفظُ أَنْ يريد ب: {مَا أَنزَلْنَا} جميعَ الشرع.
* ت *: وهذا التأويلُ عندي أُبَيْنُ إِذَا لُخِّص، وإِن كان قد استبعده * ع *: ويكون المراد ب: {مَا أَنزَلْنَا}: مَا ذكره سبحانه من قصصهم، وذِكْرِ صفته عليه السلام، وذكْرِ أنبيائهم وصِفَتِهم وسيرهم وسائِرِ أخبارهم الموافِقَةِ لِمَا في كتبهم المنزَّلة على أنبيائهم؛ كالتوراة والإِنجيل والزَّبُور والصُّحُف، وتكون هذه الآية تَنْظُر إِلى قوله سبحانه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ...} [يوسف: 111]، فتأمَّله، واللَّه أعلم.
وأما قوله: هذا قولُ أهْل التأويل قاطبةً، فليس كذلكَ، وقد تكلَّم صاحب «الشفا» على الآية، فأحْسَنَ، ولفظهُ: واختلف في معنى الآية، فقيلَ: المرادُ: قُلْ يا محمَّد للشاكِّ: {إِن كُنتَ فِي شَكٍّ...} الآية، قالوا: وفي السورة نَفْسِهَا ما دلَّ على هذا التأويل، وهو قوله تعالى: {قُلْ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي...} الآية [يونس: 104]، ثم قال عياضٌ: وقيل: إِن هذا الشكَّ: الذي أُمِرَ غَيْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسؤالِ الذين يقرؤون الكتاب عنه، إِنما هو في ما قصَّهُ اللَّه تعالى من أخبار الأمم، لا فيما دعا إِلَيْه من التوحيد والشريعة. انتهى.
وقوله سبحانه: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بآيات الله...} الآية: مما خوطِبَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والمراد سواه.
قال * ع *: ولهذا فائِدةٌ ليست في مخاطبة الناس به، وذلك شدَّة التخويفِ؛ لأنه إِذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُحَذَّرُ مِنْ مثل هذا، فغيره من النَّاسِ أَوْلَى أَن يحذَّر ويتقى على نفسه.
وقوله سبحانه: {إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ}: أي: حقَّ عليهم في الأزل وخلقهم لعذابه: {لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} إِلا في الوقت الذي لا يَنْفَعهم فيه الإِيمان؛ كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقتُ المُعَايَنَةِ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَإِن كُنتَ فِي شَكّ} أي في شك ما يسير على الفرْض والتقدير، فإن مضمونَ الشرطيةِ إنما هو تعليقُ شيءٍ بشيء من غير تعرُّضٍ لإمكان شيءٍ منهما كيف لا وقد يكون كلاهما ممتنعًا كقوله عز وجل: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ونظائرِهما: {مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} من القصص التي من جملتها قصةُ فرعون وقومِه وأخبارُ بني إسرائيلَ: {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} فإن ذلك محققٌ عندهم ثابتٌ في كتبهم حسبما ألقَينا إليك والمرادُ إظهارُ نبوتِه عليه السلام بشهادة الأحبارِ حسبما هو المسطورُ في كتبهم وإن لم يكن إليه حاجة أصلًا أو وصفُ أهلِ الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوتِه عليه السلام أو تهييجه عليه السلام وزيادةِ تثبيتِه على ما هو عليه من اليقين لا تجويزِ صدورِ الشك منه عليه السلام ولذلك قال عليه السلام: «لا أشُكُّ ولا أسأَلُ» وقيل: المرادُ بالموصول مؤمنو أهلِ الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وتميمٍ الداري وكعبٍ وأضرابِهم وقيل: الخطابُ للنبي عليه السلام والمرادُ أمتُه أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامعُ في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبيِّنا، وفيه تنبيهٌ على أن من خالجتْه شبهةٌ في الدين ينبغي أن يسارِعَ إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلمِ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب: {لَقَدْ جَاءكَ الحق} الذي لا محيدَ عنه ولا ريبَ في حقيته: {مِن رَبّكَ} وظهرَ ذلك بالآيات القاطعةِ التي لا يحوم حولَها شائبةُ الارتيابِ، وفي التعرّض لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من التشريف ما لا يخفى: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقينِ ودُمْ على ذلك كما كنت من قبل: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بآيات الله} من باب التهييج والإلهابِ، والمرادُ به إعلامُ أن التكذيبَ من القبح والمحذوريةِ بحيث ينبغي أن يُنهى عنه من لا يُتصورُ إمكانُ صدورِه عنه فكيف بمن يمكن اتصافُه به وفيه قطعٌ لأطماع الكفرة: {فَتَكُونَ} بذلك: {مّنَ الخاسرين} أنفسًا وأعمالًا: {إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ} شروعٌ في بيان سرِّ إصرارِ الكفرة على ما هم عليه من الكفر والضلالِ أي ثبتت ووجبتْ بمقتضى المشيئةِ على الحكمة البالغة: {كَلِمَةُ رَبِّكَ} حكمُه وقضاؤه بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في النار كقوله تعالى: {ولكن حَقَّ القول مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ} إلى آخره: {لاَ يُؤْمِنُونَ} أبدًا إذ لا كذِبَ لكلامه ولا انتقاضَ لقضائه أي لا يؤمنون إيمانًا نافعًا واقعًا في أوانه فيندرج فيهم المؤمنون عند معاينةِ العذابِ مثلَ فرعونَ باقيًا عند الموتِ فيدخل فيهم المرتدون.
{وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ}
واضحةُ المدلولِ مقبولةٌ لدى العقولِ لأن سببَ إيمانِهم وهو تعلقُ إرادته تعالى به مفقودٌ لكنّ فقدانَه ليس لمنعٍ منه سبحانه مع استحقاقهم له بل لسوء اختيارِهم المتفرِّعِ على عدم استعدادِهم لذلك: {حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} كدأب آلِ فرعونَ وأضرابهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} أي في شك ما يسير، والخطاب قيل: له صلى الله عليه وسلم والمراد إن كنت في ذلك على سبيل الفرض والتقدير لأن الشك لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام لانكشاف الغطاء له ولذا عبر بأن التي تسعمل غالبًا فيما لا تحقق له حتى تسعمل في المستحيل عقلًا وعادة كما في قوله سبحانه: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} [الزخرف: 81] وقوله تعالى: {فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا في الأرض} [الأنعام: 35] وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها كما هو ظاهر؛ والمراد بالموصول القصص، أي إن كنت في شك من القصص المنزلة إليك التي من جملتها قصة فرعون وقومه وأخبار بني إسرائيل: {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما أنزلناه إليك، وخصت القصص بالذكر لأن الأحكام المنزلة إليه عليه الصلاة والسلام ناسخة لأحكامهم مخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها، والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإنجيل وهو المروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويؤيده أنه قرئ: {الكتاب} بالجمع، وفسر الموصول بمن لم يؤمن من أهل الكتاب لأن إخبارهم بما يوافق ما أنزل المترتب على السؤال أجدى في المقصود، وفسره بعضهم بالمؤمنن منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري ونسب ذلك إلى ابن عباس والضحاك ومجاهد وتعقب بأن ابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وهذه السورة مكية، وينبغي أن يكون المراد الاستدلال على حقية المنزلة والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر وأن القرآن مصدق لها، ومحصل ذلك أن الفائدة دفع الشك إن طرأ لأحد غيره صلى الله عليه وسلم بالبرهان أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام وزيادة تثبيته، وليس الغرض إمكان وقوع الشك له صلى الله عليه وسلم أصلا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حين جاءته الآية على ما أخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة: «لا أشك ولا أسأل»، وزعم الزجاج أن: {إن} نافية وقوله سبحانه: {فَاسْأَلِ} جواب شرط مقدر أي ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فإن أردت أن تزداد يقينًا فاسأل وهو خلاف الظاهر وفيما ذكر غنى عنه، ومثله ما قيل: إن الشك بمعنى الضيق والشدة بما يعاينه صلى الله عليه وسلم من تعنت قومه وأذاهم أي إن ضقت ذرعًا بما تلقى من أذى قومك وتعنتهم فاسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء عليهم السلام على أذى قومهم وتعنتهم فاصبر كذلك بل هو أبعد جدًا من ذلك، وقيل: الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على لسان نبينا إليك فاسأل،: {فَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ} على هذا نظير قوله سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174] وفي جعل القراءة صلة الموصول إشارة إلى أن الجواب لا يتوقف على أكثر منها، وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي له مراجعة من يزيلها من أهل العلم بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاء الجزائية بناءًا على أنها تفيد التعقيب: {لَقَدْ جَاءكَ الحق} الواضح الذي لا محيد عنه ولا ريب في حقيته: {مِن رَبّكَ} القائم بما يصلح شأنك: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} أي بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل، والامتراء الشك والتردد وهو أخف من التكذيب فلذا ذكر أولا، وعقب بقوله سبحانه: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بآيات الله} أي بشيء منها: {فَتَكُونُ} بذلك: {مّنَ الخاسرين} أنفسًا وأعمالًا، والتعبير بالخاسرين أظهر في التحذير من التعبير بالكافرين، وفائدة النهي في الموضعين التهييج والإلهاب نظير ما مر، والمراد بذلك اعلام أن الامتراء والتكذيب قد بلغا في القبح والمحذورية إلى حيث ينبغي أن ينهي عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما فكيف بمن يكن اتصافه وفيه قطع لاطماع الكفرة.
{إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ} إلخ بيان لمنشأ اصرار الكفرة على ما هم عليه من الكفر والضلال إلى حيث لا ينتفعون بالإيمان أي إن الذين ثبتت عليهم: {وَأَوْرَثْنَا القوم} أي حكمه وقضاؤه المفسر عند الاشاعرة بإرادته تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال بأنهم يموتون على الكفر أو يخلدون في النار: {لاَ يُؤْمِنُونَ} إذ لا يمكن أن ينتقض قضاؤه سبحانه وتتخلف إرادته جل جلاله.
{وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ} واضحة المدلول مقبولة لدى العقول: {حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} الاغراق ونحوه وحينئذ يقال لهم الصيف ضيعت اللبن وفسر الزمخشري الكلمة بقول الله تعالى الذي كتبه في اللوح وأخبر سبحانه به الملائكة أنهم يموتون كفارًا وجعل تلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد، ولا ضير في تفسير الكلمة بذلك إلا أن جعل الكتابة كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد مبني على مذهب الاعتزال، والذي عليه أهل السنة أن أفعال العباد بأسرها معلومة له تعالى ومرادة ولا يكون إلا ما أراده سبحانه، وعلمه عز شأنه وإرادته متوافقان ولا تجوز المخالفة بينهما ولا يتعلق علمه سبحانه إلا بما عليه الشيء في نفسه ولا يريد إلا ما علم ولا يقدر إلا ما يريد ولا جبر هناك ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، وفسره الملوى الكوراني في شرحه للمقدمات الأربع المذكورة في توضيح الأصول بأن العبد مجبور باختياره وفصله بما لا مزيد عليه، وبإثبات الاستعداد وانه غير مجعول تتضح الحجة البالغة وبسط الكلام في علم الكلام، وقد تقدم بعض ما ينفع في هذا المقام، وإن أردت ما يطمئن به الخاطر وتنشرح له الضمائر فعليك برسائل ذلك المولى في هذا الشأن فإنها واضحة المسالك في تحصيل الإيقان. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ}
من قصص موسى وفرعون وبني إسرائيل: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ} أي: التوراة: {مِن قَبْلِكَ} فإن عندهم على نحو ما أوحي إليك: {لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي: الشاكين في أنه منزل من عنده.
تنبيه:
لا يفهم من هذه الآية ثبوت شك له صلوات الله عليه، فإن صدق الشرطية لا يقتضي وقوعها، كقولك. (إن كانت الخمسة زوجا، كانت منقسمة بمتساويين) والسر في مثلها تكثير الدلائل وتقويتها، لتزداد قوة اليقين، وطمأنينة القلب، وسكون الصدر، ولذا أكثر تعالى في كتابه من تقرير أدلة التوحيد والنبوة والرجعة. أو السر هو الاستدلال على تحقيق ما قص، والاستشهاد بما في الكتاب المتقدم، وأن القرآن مصدق لما فيه، أو وصف الأحبار بالرسوخ في العلم، بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلوات الله عليه، تعريضًا بالمشركين، أو تهييج الرسول صلوات الله عليه، وتحريضه ليزداد يقينًا، كما قال الخليل صلوات الله عليه: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: من الآية 260]، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال حين نزول الآية: «لا أشك ولا أسأل» أخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة- أو الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، على حد: (إياك أعني واسمعي يا جارة) وفيه من قوة التأثير في القلوب ما لا مزيد عليه، بمثابة ما لو خاطب سلطان عاملًا له على بلدته بحضور أهلها بوصاياه وأوامره الرهيبة، فيكون ذلك أفعل في النفوس، أو الخطاب لكل من يسمع. أي: إن كنت أيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك... وأيد هذا بقوله تعالى بعدُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} [يونس: من الآية 104]، فكأنه أشار إلى أن المذكور في أول الآية رمزًا هم المذكورون بعدُ صراحة، وفي الآية تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بمقادحة العلماء المنبهين على الحق وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} هو أيضًا من باب التهييج والإلهاب والتثبيت، وأجرى بعضهم هاهنا قاعدة فقال: النهي عن كل شيء إن كان لمن تلبس به فمعناه تركه، وإن كان لغيره فمعناه الثابت على عدمه، وألا يصدر منه في المستقبل كما هنا- انتهى- أو يأتي الوجهان الأخيران قبل هنا أيضًا.
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} أي: قوله الكريم، وأمره بعذابهم، كما قال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: من الآية 13]: {لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} أي: كدأب آل فرعون وأضرابهم. أي: وعند رؤية العذاب يرتفع التكليف فلا ينفعهم إيمانهم. اهـ.